منذ عام 1967 والاقتصاد الفلسطيني يخضع بصورة مباشرة الى الحاكم العسكري الاسرائيلي، ففي الفترة ما بين عام 1970-1993 عملت إسرائيل على الحاق الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي وانتهاج سياسة التضييق الممنهج اتجاه تطور القطاع الصناعي في الضفة الغربية وقطاع غزة، هذه السياسات وغيرها ساهمت في هروب الاستثمارات خارج فلسطين وغياب الدافعية نحو تحصين القطاعات الإنتاجية.
بعد الوصول الى اتفاق اوسلو وما تبعه من اتفاق باريس الاقتصادي كان هناك الكثير من الآمال والطموحات نحو خلق بيئة اقتصادية فلسطينية قادرة على النهوض باقتصاد وطني يعتمد على ذاته، فالاتفاق الاقتصادي اعتبر اتفاق مرحلي يمكن التخلص معه بانتهاء اتفاق اوسلو والوصول الى حلول دائمة، فشل اتفاق اوسلو وعدم الوصول الى ما كان الجانب الفلسطيني يطمح اليه انعكس بشكل سلبي على الاقتصاد، فالظروف التي خلقتها انتفاضة الأقصى عام 2000 وما تبعتها من تطورات على الساحة الفلسطينية أدت الى انكماش الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير وبات اسيرا مرة ثانية للسياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
مع انسحاب إسرائيل من قطاع وغزة عام2005 وما تبعها من الانقسام بين الضفة وقطاع غزة والحروب المستمرة سواء كان في منطقة قطاع غزة او الاغلاقات في الضفة الغربية أدت بشكل كبير الى اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على قطاع الخدمات كونه الأقل مخاطرة.
السياسة الاقتصادية الجزئية:
يعتبر السوق التنافسي من ابجديات السياسة الاقتصادية الجزئية في الاقتصاد الحر، فمنذ عام 1994 والاقتصاد الفلسطيني يعتريه العديد من التشوهات البنيوية التي لم تساعد في الوصول الى تفعيل الية العرض والطلب بشكل يساعد في تعزيز التنافسية والحد من الاحتكار، غياب القوانين الواضحة من جهة وعدم وجود سيادة كاملة على عمليات ادخال العديد من السلع خارج اطار الطرق القانونية ساهم في وجود فجوات كبيرة في هذا السوق، جميع السياسات الاقتصادية التي نادت بها الحكومات السابقة هي سياسات تخمينية تفتقر الى اليات التطبيق الصحيح.
السياسة الاقتصادية الكلية:
تشكل استقلالية السياسية النقدية بما تملكه من أدوات في اصدار النقد والرقابة على العرض والطلب أحد العوامل الضرورية في تفعيل سياسات الاقتصاد الكلي بشكل كفؤ، فغياب عملة وطنية يتم تقييم الاقتصاد بها من جهة والتحكم في التجارة الخارجية وميزان المدفوعات من جهة اخرى يعتبر أحد العوائق التي تحد من فعالية هذه السياسة. لا شك ان الحالة الفلسطينية بما تواجهه من تحديات كبيرة وعوائق جمة وغياب استقلالية اقتصادية جعلت من تطور الاقتصاد الوطني ملحق بالاقتصاد الإسرائيلي.
لنجاح السياسية الاقتصادية الكلية في الأراضي الفلسطينية يتطلب وجود رؤية استراتيجية وخطة واضحة نحو البدء في خلق اقتصاد مستقل وقوي بعيد عن التنبؤات والتجريب، فالسياسة الاقتصادية يجب ان تنبع من البيئة الفلسطينية بما ما تمتلكه من موارد اقتصادية والقدرة على تكييف هذه الموارد نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
سياسة التشغيل:
تعتبر الايدي العاملة الفلسطينية احد الأدوات الاقتصادية الهامة في تركيبة الاقتصاد الفلسطيني، منذ ان استلمت السلطة الفلسطينية سلطاتها المدنية وقضية التشغيل وفرص العمل داخل مناطق السلطة الفلسطينية تصطدم بالكثير من العوائق منها ما ارتبط بالبناء البنيوي للقطاعات الاقتصادية الفلسطينية كونها لا زالت تخضع للمنشآت العائلية في الكثير من المدن والبلدات، فغياب سياسة تخطيط بين وزارة العمل ومخرجات الجامعات الفلسطينية ساهم بشكل كبير في اتساع الهوة في خلق فرص عمل تكون مطلوبة من القطاعات الاقتصادية المختلفة، جميع هذه التحديات والعوائق جعلت الايدي العاملة الفلسطينية رهن السياسة الأمنية الإسرائيلية أي ان دخول العمالة الفلسطينية الى العمل داخل إسرائيل لم يعد مرتبط بالاتفاقيات السياسية وانما خضع للمعايير الأمنية وهذا ما جعل الرؤية نحو التنمية بعيدة المنال.
الاستثمار المحلي والاجنبي :
اثرت سياسات الاغلاق والحروب المتكررة في الأراضي الفلسطينية على توجه المستثمر المحلي الى العزوف عن الاقتصاد الإنتاجي وتوجهه الى الاستيراد الخارجي، فغياب رؤية سياسية واضحة للمستقبل وعدم انغماس القطاع المالي الفلسطيني في المشاريع الإنتاجية وعدم وجود سياسات تحفيزية نحو الاقتصاد الإنتاجي أدى بشكل كبير الى عدم تفعيل الاستثمار المحلي بالشكل المطلوب، اما فيما يتعلق بجلب الاستثمارات الأجنبية وخصوصا العربية فلم تشاهد النور بالرغم من الكثير من الوعود من الطرف الإسرائيلي بتسهيل انسياب هذه الاستثمارات، فالاستثمار الأجنبي كما هو معروف هو استثمار جبان يبحث عن الربح والاستقرار بالدرجة الأولى، فالبيئة الاستثمارية الفلسطينية تحتاج الى سياسات جذرية من اجل تفعيل استراتيجية الإنتاج المحلي هو الأفضل، هذا يتطلب الاهتمام بشكل كبير في جودة المنتج وزيادة تنافسيته.
الاقتصاد السياسي لاتفاق باريس الاقتصادي:
جاء اتفاق باريس الاقتصادي تتويجا لاتفاق أوسلو السياسي، فقد ارتبط تطور الاقتصاد الفلسطيني بتطور العلاقة السياسية مع الجانب الإسرائيلي، وهذا ما شكل أحد العوائق الكبيرة امام الانفكاك الاقتصادي والاعتماد على الذات، فآلية الإنتاج الفلسطيني منذ عام 1994 لم تستطيع ان تشكل قاعدة إنتاجية لإحلال الواردات من جهة وتشجيع الصادرات من جهة أخرى، فعدم قدرة السلطة الفلسطينية على التوسع في مناطق C وعدم سيطرتها على الطرق بين المدن وغياب الحرية والانسيابية على المعابر الدولية جعل من تطور آلية الإنتاج صعبة في مثل هذه الظروف، فلم يعد هناك فرصة لنجاح مقولة ادم سميث دعه يعمل دعه يمر Laissez-faire .
خارطة طريق لإنعاش الاقتصاد الفلسطيني
هناك العديد من السياسات التي يجب الاعتماد عليها بشكل أساسي في إعادة ديناميكية الاقتصاد الفلسطيني من خلال تطبيق ما يلي:
1- الابتعاد عن السياسات والتصريحات الشعبوية في خطط السياسات الاقتصادية فقد اعتمدت الكثير من الدول على السياسات الشعبوية وقد كانت النتائج سلبية.
2- انخراط المؤسسات الحكومية في القطاعات الاقتصادية الأساسية.
3- التخفيض الكبير للنفقات العامة بما يكفل استثمار الهدر في النفقات العامة وتحويرها نحو التراكم الرأسمالي بالمفهوم الاقتصادي.
4- المزاوجة بين السياسات الليبرالية والتخطيط بحيث تتناسب هذه السياسات مع البيئة الفلسطينية.
5- تحديث الية الضرائب والجمارك بما يتناسب مع الحالة الفلسطينية الخاصة وعدم الاعتماد على عمليات التجريب.
6- نشر ثقافة التصنيع المحلي والاكتفاء الذاتي وترويج سياسة الاقتصاد الوطني القائم على الموارد الذاتية وعدم الارتهان للمساعدات الدولية.
7- مطالبة القطاع المالي الفلسطيني بالانخراط في استثمارات حقيقة إنتاجية وليست تسهيلات ائتمانية تخدم قطاع الاستيراد.
8- تحديث قطاع المواصلات العامة من خلال التخطيط الاستراتيجي والبدء في تحمل المسؤولية نحو حل مشكلة الازمات المروية داخل المدن هذا من جهة ومحاولة الوصول الى حلول لربط المدن الفلسطينية بشبكة مواصلات عامة.
9- تشكيل مجلس اقتصادي يتبنى تنفيذ السياسات الاقتصادية التي تعود بعوائد سريعة، والعمل على استنساخ التجارب الدولية الناجحة في مجال تعزيز التنمية المستدامة.
10-محابة الفساد المالي والإداري وتفعيل القانون والابتعاد عن سياسة التراضي، فقوة القانون وحدها كفيلة بإعادة الثقة في تطبيق السياسات الاقتصادية.